تم في قصر الصنوبر تكريم للمفكر والنائب السابق سمير فرنجية في احتفال ضمّ جمعاً من محبيه وأصدقائه بدعوة من السفير إيمانويل بون الذي قلده وسام جوقة الشرف الفرنسي من رتبة "كومندور" باسم الرئيس فرنسوا هولاند، وكان بين الحضور: الرئيس حسين الحسيني، نائب رئيس مجلس النواب فريد مكاري، وزير لدولة لشؤون التنمية الادارية نبيل دو فريج، راعي ابرشية بيروت للموارنة المطران بولس مطر، المطران يوسف بشارة، رئيس جمعية اعضاء جوقة الشرف- لبنان الوزير السابق الشيخ ميشال الخوري، والنواب: بهية الحريري ومروان حمادة وفؤاد السعد، والنواب السابقون: نايلة معوض، صلاح حنين، فارس سعيد، كميل زيادة، الياس عطاالله وغطاس خوري.
استهل اللقاء بشهادة تقدير من الوزير السابق غسان سلامة تلتها عنه الكاتبة هند درويش، فكلمة السفير بون، حيا فيها فرنجية الذي "تحرر من قيود الاصطفاف والعائلة والتخندق السياسي ليدافع عن فكرة واحدة هي لبنان الموحد في التنوع". وقال : "نجتمع اليوم لنبدي إعجابنا واعترافنا بفضلك. إن الجمهورية الفرنسية تحيي من خلال الرجل الكبير سمير فرنجية، سعيه إلى الحوار والمصالحة والإلتقاء في خدمة لبنان".
وألقى المحتفى به فرنجية كلمة استهلها بشكر للسفير بون على الجهود التي يبذلها لحل الأزمة اللبنانية، وللرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند على تكريمه، وقال إن هذا التمييز العالي المستوى يقوي تصميمه على إكمال المعركة التي يخوضها من أجل السلام، ملاحظاً أن النظرة إليه كثيراً ما كانت نظرة إلى متفائل غير قابل للإصلاح، وإلى حالم ومثالي. لكن ذلك لم يمنعه في أسوأ ظروف الحرب إلى جمع المتحاربين من خلال "المؤتمر الدائم للحوار اللبناني" الذي مهد لمصالحة الجبل عام 2001 والتئام "لقاء قرنة شهوان" الذي أعاد الروابط بين المسيحيين والمسلمين، بدعم من البطريرك السابق نصرالله صفير والمطران يوسف بشارة، وشق الطريق إلى "انتفاضة الاستقلال" في 2005 .
ولفت فرنجية الى أنه ما كان ليستطيع خوض هذه المعارك لولا دعم عائلته ورفاقه، محيياً "جميع الأصدقاء الذين ساعدوني في قياس أهمية الرابط بالآخر الذي يكوّننا كما نحن نكوّنه. أحيي ذكرى جميع الأصدقاء الذين أعطوا كثيراً وما عادوا في هذه الدنيا، وأفكّر بمن اغتيلوا، من رفيق الحريري وسمير قصير إلى محمد شطح. وبمن رحلوا، الإمام محمد مهدي شمس الدين، السيد هاني فحص، ونصير الأسعد، ونسيب لحود، وعاصم سلام، وحكمت عيد، وكثيرين غيرهم. وأفكر بوالدي الذي كان أحد مهندسي الإستقلال الأول، الذي ورثت منه هذا الرفض الداخلي العميق لكل تمييز طائفي. والدي الذي فاوض عام 1946 للاتفاق على انسحاب القوات الفرنسية من لبنان وتلقى هو أيضاً وسام الشرف الفرنسي برتبة كومندور."
وتابع: إن رفض التمييز الطائفي المبني على الخوف من الآخر ليس خياراً سياسياً، إنه شرط لبقائنا اليوم. وهذا يستلزم طي صفحة الماضي على قاعدة المصالحة الوطنية الحقيقية . ولا أتحدث عن تسوية نبحث عنها بين القوى السياسية من أجل تقاسم جديد للسلطة في ما بينها، بل عن مصالحة تتيح لنا إنهاء نصف قرن من الحروب وأعمال العنف وإعادة تأسيس العيش معاً بشروط الدولة وليس بشروط طائفة مهيمنة".
ودعا إلى "الخروج من حال العجز التي تشلنا، وإدراك أن رافضي العنف يشكلون اليوم غالبية ويستطيعون القيام بدور تقريري إذا عملوا على مراكمة الروابط في ما بينهم لخوض معركة السلام معاً"، ملاحظاً أن "المصالحة التي يجب ألا تستثني أحداً، حتى من هم اليوم في حال انتظار لـ"نصر إلهي"، هي ضرورية اليوم أكثر من أي وقت مضى، لأنها تتيح إعادة إحياء تجربة العيش معاً الفريدة التي عرفناها، والتي تؤسس للديموقراطية على قاعدة الاعتراف بالتنوع. وعلينا تقديمها نموذجاً إلى العالم العربي الذي تجتاحه الحرب الأهلية".
وقال فرنجية ايضاً إن لفرنسا دوراً رئيسياً في معركة السلام هذه، وهو ليس جديداً، تشهد عليه جهودها منذ 1975 من أجل إنهاء الحرب في لبنان، مذكراً باغتيال السفير الفرنسي لوي دولامار، في خضم محاولاته للجمع بين القادة اللبنانيين.
وكشف أنه عرض على الرئيس الفرنسي هولاند خلال زيارته الأخيرة لبيروت مشروع "متوسط العيش معاً" الذي يتوجه إلى المعتدلين على ضفتي البحر الأبيض المتوسط لدفعهم إلى مواجهة كل أشكال التطرف، وقال إنه تأثر جداً بتجاوب هولاند الذي عرض استضافة مؤتمر لهذه الغاية في باريس.
واعتبر أن وسام الشرف الفرنسي الذي تلقاه في لحظة صعبة من حياته يدفعه إلى مواصلة معركته ضد عنف مختلف ومن طبيعة أكثر غدراً، وأيضاً ضد كل أنواع العنف.